الخبر؛ 21 أفريل 2013؛ نبيلة سنجاق
إيف سالفات: احذروا من الذاكرة الكاذبة التي يؤلفها ساسة فرنسا
حذر إيف سالفات، مجند سابق في صفوف الجيش الاستعماري الفرنسي، في ندوة بالعاصمة السبت الماضي، من تصديق سياسة بلده الحالية حيال ملف الذاكرة المشتركة، وقال إنها “مخدوعة” و”مزيفة” لأن ساركوزي “عجنها” بطريقة تخدم المصالح الفرنسية وحدها. سالفات قال إن الضمير الجماعي لقدامى المحاربين ما زال يعذب الآلاف.
لم تكن مهمة كتابة اعترافه الشخصي سهلة بالنسبة لإيف سالفات الذي يبلغ من العمر اليوم 77 عاما. وقبل أن يجتاز هذه العتبة من الحياة، مر الرجل بأوقات تألم فيها ضميره حيال ما شاهده أثناء تجنيده في صفوف الجيش الفرنسي بالجزائر في الفترة الممتدة بين 1958-1960. كان شابا يافعا كبر بعيدا عن بريق باريس المتمدنة، يحمل سذاجة سكان الريف الطيبين، لكنه أقحم في الخطة الاستعمارية، فوجد نفسه في جزائر متعبة: “عندما جندونا أخبرونا أننا سنساهم في استتباب الأمن و نشر السلام، لم يقل لنا أحد أننا سنكون جزءا من خطة استعمارية تدهس حقوق السكان الأصليين، لم يقولوا لنا إن فرنسا كانت في حرب شرسة مع الثوار، وعندما وصلت ناحية تيارت وقفت على حالة مزرية للجزائريين، فقر وتعب وأمراض، كانت هذه اللوحة السوداء الأثر الأول المحفور في ذاكرة هذا الشيخ، الذي حضر إلى الجزائر المستقلة ليروي قسوة فرنسا الاستعمارية، بدعوة من الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، وفي فيلا عبد اللطيف، جلس أمام كتابه يستعيد لحظات ولادة “جرأة” الاعتراف العلني بما حدث ساعتها.
يحمل الكتاب الصادر بالجزائر عن منشورات “سيديا” عنوانا موجعا “حرب العار”، ليعلن بصراحة أن فرنسا اليوم تخشى النظر إلى ماضيها المخجل، إلى “عار التعذيب الممارس على المناضلين والمدنيين”، يقول سالفات ويضيف: “بعض المحاربين يبكون ما عانوه في الجزائر، منهم من تكلم ومنهم من يعايش جروحه في صمت”. يوضح سالفات في بداية حديثه عن الكتاب قائلا: “لست كاتبا ولا مثقفا ولا صحفيا ولا مؤرخا، أنا معلم متقاعد بسيط، لا أحسن الكتابة على طريقة الكبار، لكن قررت أن أكسر جدار الصمت، أن أنقل شهادتي إلى أبنائي وكل الفرنسيين، وأقول إن فرنسا مارست التعذيب ضد الجزائريين، وانتهكت حقوقهم الإنسانية، وكنا كجنود ممنوعين من التصريح بمواقفنا، كان قانون الثكنة يحكمنا بقبضة من حديد”.
جاء الكتاب في الحجم الصغير، لكن بحقائق كبيرة، أبطالها جنود سابقون، تقدم بهم العمر، سئموا المزايدة باسم الذاكرة المشتركة التي يعلنها الساسة: “بعد نشر الكتاب وجدت أن وجودي في الجمعية الوطنية لقدامى المحاربين لا جدوى منه، خاصة بعد أن اعترف لي أمينها العام أنه ضد فكرة الاعتراف... قررت أن استقيل من جمعية كانت قريبة إلى قلبي”، و يردف: “على كل حال لم يعد لهذه الجمعية فاعلية، خاصة وأنها وأمثالها تضم إليها محاربين مزيفين، بمن فيهم المسؤول الأول” ما يؤكد التلاعب الكبير بملف الذاكرة، الذي بات محور حديث الساسة من حين لآخر، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية، والتي علق بشأنها قائلا: “عليكم الحذر من مسألة الذاكرة ... ساركوزي في عهدته عين أشخاصا لخدمة الذاكرة وفق رؤيته الخاصة، فتشكلت لدى الرأي العام ذاكرة كاذبة للأسف حظيت بالاهتمام والترويج”.
يضم الإصدار سلسلة من الروايات الوقعية، لمشاهد تعذيب بشتى الطرق الموجعة للجسد والنفس الإنسانية، ورغم أهميته لم يحظ العمل باهتمام الصحافة الفرنسية إلى اليوم: “لم أفلح في الترويج لعملي لدى وسائل الإعلام الفرنسية، كلهم غضوا الطرف عني”، إضافة إلى “رفض المخطوط من قبل أكثر من دار نشر فرنسية، التي رأت الحديث عن التعذيب من الماضي”.